على خلفية اعتبار المصارف الخاصة مكاتب تمثيل للشريك الاستراتيجي.. وجودهــــا فــــي الــواقـــــع الاســـتثماري لا يـــوازي رواتـــــب مـــديريهـــا”الخيالية”..؟!!
.
لعل فلكية الأرقام وقتها.. وضعت حداً لاستمرار الإفصاح –الأول والأخير- عن أجور وتعويضات مديري المصارف الخاصة.. فما حمله تقرير الحوكمة للعام 2009 والصادر عن هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية من إفصاح عن هذه الأجور كان أقرب إلى الخيال الذي حرض مكامن الغيرة لدى الكثيرين من مديري القطاع العام خاصة من القطاع المصرفي، إذ بلغ أعلى راتب مدير بنك خاص آنذاك 2.12 مليون ليرة، وأدنى راتب 100 ألف ليرة سورية…!
لا تبرير..!
وفي الوقت الذي لم نجد تبريراًَ منطقياً لغياب هذا الإفصاح عن التقارير اللاحقة وما إذا ما كانت هذه الرواتب والتعويضات لا تزال كما هي، أم أنها شهدت تطوراً ما في ظل تراجع سعر صرف الليرة، رشحت لدينا معلومات تفيد بأن راتب مدير تنفيذي لأحد المصارف الخاصة حالياً يناهز الـ60 ألف دولار شهرياً، عدا التعويضات والمكافآت والامتيازات الأخرى..! فيما رواتب المديرين المركزيين فيها تختلف من مصرف لآخر وتراوح في بعضها ما بين 2 – 3 ملايين ليرة شهرياً، وذلك وفقاً لبعض المصادر التي أشارت إلى أن بعض المصارف توزع مكافآت لكل موظف من موظفيها سنوياً بقيم متفاوتة وحسب رؤية كل مصرف منها..!
موجبات غير مقنعة..!
ربما أول ما يتبادر للذهن أمام هذا المشهد، هو سر تصدر الجنسيات غير السورية -الأردنية واللبنانية على وجه التحديد- لأعلى هرم المصارف، باستثناء مصرفين يقود دفتهما مديرون سوريون.. ليردنا موجبات هذا السر التي لم تعد حقيقة مقنعة نظراً لمضي أكثر من عقد من الزمن على سريان مفعولها ولم يتمخض عنها أية مخرجات فعلية، ويكمن فحوى هذه الموجبات التي ساقتها لنا بعض المصادر العاملة في قطاع المصارف الخاصة، بأن استلام المراكز القيادية في المصارف الخاصة السورية من غير السوريين يعود إلى امتلاك الشريك الاستراتيجي نسبة 50% من هذه المصارف، ومن يشارك بنسبة 50% من رأس مال في أي مصرف كان غالباً ما يكون مشرفاً على سير عمله وخصوصاً في المراحل الأولى من انطلاقه، وبالتالي يحضر كوادره المدربون والعارفون بحيثيات النظام المصرفي الذين يثق بهم. مشيرة في ذات السياق إلى أن من يدير بنكاً يجب أن تكون لديه خبرة مصرفية كبيرة، وهذه الخبرة غير موجودة بالأساس في سورية، فالخبرات السورية الموجودة مؤهلة فقط لاستلام مواقع إدارية في قلب البنك، لافتاً إلى أن هناك بعض الخبرات الأجنبية تحجم عن استلام إدارة بنك حتى لو دفعت لها الأموال المطلوبة..!
في حين أننا ننظر إلى هذه المسألة من زاوية ذات بعد مصلحي بالدرجة الأولى، بمعنى أن تمسك الشريك الاستراتيجي لهذه المصارف بالخبرات غير السورية هو مادي بحت وليس بسبب نقص الكوادر، ولاسيما بعد مضي أكثر من عقد من الزمن على عمل أول مصرف خاص في سورية، وهذه السنوات كفيلة بتأهيل كادر محلي قادر على النهوض بالقطاع المصرفي على أكمل وجه فيما لو كان هناك نية جادة وحقيقية للتأهيل والتدريب..!
لا دور مستقل
يشي انكفاء المصارف الخاصة عن القيام بما يعول عليها من دور استثماري في ظل ما سبق عرضه لجهة التمسك بالخبرات الأجنبية وما تتمتع به من امتيازات بأن وراء الأكمة ما وراءها، حيث ينظر بعض المراقبين إلى المصارف الخاصة العاملة في سورية بأنها عبارة عن مكاتب تمثيل للمصارف الأم أو ما تسمى بـ(الشريك الاستراتيجي) الموجودة في الدول العربية، تقوم بدور تسهيل عمليات التمويل والإقراض للتجار الذين كانوا يحصلون عليها من المصارف الأم في الخارج، دون أن تقوم بدور مصرفي مستقل له كيانه ونظام عمل استراتيجي في سورية ليدفع بالفعل عجلة الاقتصاد الوطني باحثة عن الربح السريع عبر تمويل قنوات استهلاكية بحتة.. وقد بررت مصادرنا هذا الكلام -الذي أكدت صحته خاصة في بدايات عمل هذه المصارف في سورية – عازية ذلك لحاجة القطاع المصرفي الخاص للدعم الفني الذي تقدمه المصارف الأم أو الشريك الاستراتيجي، مشيرة إلى أن المصارف التي عملت قبل غيرها في سورية، استطاعت أن تنقل المعرفة إلى مفاصل عملها وبدأت تستقل تدريجياً، موضحاً أنه رغم تقلص دور الشريك الاستراتيجي في عمل المصارف العاملة في سورية إلا أنه لازال موجوداً حتى الآن، والمصرف المركزي يضغط في هذا الاتجاه حتى تنتقل كل العمليات المصرفية إلى سورية لتصبح محلية ووطنية 100% وهذا مرتبط ببناء الخبرات اللازمة في سورية التي مازالت ضعيفة..!
المصدر: البعث