مِحَن الاقتصاد السوري.. بين محدودية أداء الإدارة النقدية والمالية ومآزق التمويل البديل "مقاربة نقدية من منظور سياساتي/استراتيجي مختلف"


.

إن بناء الدولة السليم والمستدام، يتطلب مراجعة وتقييم للخيارات والرهانات، كمدخل لإعداد برامج وسياسات اقتصادية وغير اقتصادية جريئة ونوعية، كما يتطلب تشريعات حيادية وموضوعية، وقرارات عقلانية كبرى، يسنّها رجال دولة حقيقيون، يمتلكون الحس السليم، والفكر المبدع، والرؤى الثاقبة والقلوب الشجاعة، والتواضع. يتم اختيارهم على أساس القدرة والكفاءة والنزاهة. فالمسألة لم تعد تحتمل الاحتواء، ولا الاسترضاء، ولا الاستيعاب، تحديداً بعد حمام الدم، الذي بدأ منذ ما يقارب ثماني سنوات، والذي حصد مئات ألوف المواطنين السوريين، وتسبب في تشريد ولجوء الملايين.
إن سياسة عدم الاعتراف بالأسباب الجوهرية والمضمون الحقيقي للمحنة السورية الكبرى، التي يعدّ الفساد إلى جانب الإرهاب الدموي والفكري الحاقد، أحد أهم أسبابها، كل ذلك يشكل الغطاء/الظل الظليل، والملاذ الأمن للقوى الفاسدة، والتربة الخصبة لانتعاش ضعاف النفوس، ونمو المرتزقة والأغبياء، وتكاثر المستنصبون، الذين لا يمتلكون الفهم والدراية والكفاءة، ويختبئون وراء الشعارات والمزايدات والغموض والنفاق والمداهنة، والولاءات والبرامج الخلّبية الاستعراضية. إن هؤلاء جميعاً، لا يمكن أن يكون لهم أي دور إلا في ظل بيئة فاسدة، ومناخ مفسد، وهم الخطر على حاضر الوطن ومستقبله.
ويجب أن نعلم أن المشهد يمكن أن يتكرر، بصورة أعنف وأخطر، وخلال فترة زمنية قصيرة جداً، مالم تكن هناك شجاعة وحسم من قبل الدولة السورية في التعاطي مع الملفات الجوهرية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية (البنيوية) الكبرى، بصورة واضحة وشفافة، فالحقائق بينة، والناس تفهم الواقع كما هو، وتفهم الوقائع كما هي، ويجب أن نكون على علمٍ ودراية، بأن السكوت قد لا يكون دائماً علامة رضا، فمفاعيل عدم الرضا والاحتجاج الصامت، قد تكون مردوداته السلبية أخطر بكثير، وقد تتسبب في إنتاج دورات عنف متكررة بأشكال مختلفة، لا يمكن استيعاب نتائجها ولا احتواء مفاعيلها.
إن المسألة الاقتصادية والاجتماعية في سورية تحتاج إلى عقلانية وعلاج متوازن، وتعاطي خلاق ومبدع، يتحلى بروح عالية من المسؤولية، والشعور بالانتماء والولاء للدولة السورية. ما يعني ضرورة العمل بسرعة وقوة، لتفكيك بنية الفساد ومحاسبة الفاسدين.
إن غالبية السوريين يعرفون ويفهمون كيف يتحقق الإصلاح الذي لم يعد لغزاً، وما هي شروطه، وما هي التحديات التي تواجهه، وكيف يمكن تذليلها وتجاوزها. ويؤمنون إلى حدٍّ كبيرٍ، أن الفساد أساس المشكلة في سورية، وأن الفاسدين، هم جزءٌ من المشكلة الكبرى، بل أحد أهم أسبابها، وأسباب استمرار الحرب والدم والدمار فيها. ولذا فإن ما هو مطلوب الآن، هو التقاط الفرصة، واستثمار اللحظة التاريخية، لإجراء إصلاحٍ بنيوي نوعي وجريء، يستأصل بنى الفساد، يفكك كيانيته بصورة جذرية، يقطع الطريق على الفاسدين والمرتزقة، ولا يسمح لهم بالوضوء والتطهُّر بدماء الشهداء الأحرار، أو خطف الانتصارات الكبرى للجيش العربي السوري والقوات المسلحة، واستثمارها لتجديد دورة الفساد، وإحكام قبضته من جديد.

 

المصدر: مركز دمشق للأبحاث والدراسات-مداد