البعد الاقتصادي الاجتماعي للجان الأحياء داخل المجالس المحلية مرحلة جديدة يراهن فيها على وصول الأنسب والأقدر لطي صفحات من الترهل والفساد ..!؟
.
تختلف نظرة أفراد المجتمع حول مدى قدرة الإدارة المحلية على تحقيق أهدافها وغاياتها في مجالات التنمية الاقتصادية – الاجتماعية، باختلاف مدى الوعي والإدراك بكونها الأكثر قدرة ومعرفة وتقويماً لتلك المجالات التي تعد الأهم والأكثر التصاقاً بأفراد المجتمع المحلي، ولعل سبب الاختلاف في نظرتهم هذه، يعود في جزء هام منه إلى تعجبهم من كيفية اختيار وعمل لجان الأحياء، والهيئات الاختيارية والمخاتير!
إن المتابع لموضوع لجان الأحياء واختصاصها وصلاحياتها، يرى أن هناك قدرة كبيرة لإمكانية الاستفادة التنموية من خلال هذه اللجان، التي ينظر إليها الكثيرون- نظرة خاطئة على أنها لجان ورقية ليس إلاّ، لكن إن حاولنا التمعن بصلاحية هذه اللجان واستعراضها، فسنجد أنها قادرة على تقديم الكثير من مفردات القرارات المتعلقة بالتنمية الاجتماعية – الاقتصادية، وذلك بحكم كونها موجودة على الأرض وبين أفراد المجتمع، والأكثر التصاقاً واحتكاكاً بالمجتمع، وبحكم موقعها ودورها ومسؤوليتها، كصلة وصل بين المجتمع المحلي وبين المجلس المحلي.
هذا ما يراه الخبير الإداري والاقتصادي سامر حلاق عضو مجلس محافظة ريف دمشق، الذي التقته “البعث” للوقوف على خلاصة تجربته الطويلة في الشأن العام والعمل المحلي وتقيمه لما كان وما يجب، وخاصة بعد البدء بعمليات الترشح للمجالس المحلية، تلك المجالس التي عانت ما عانته من ترهل وفساد وعدم قدرة على أخذ دورها الصحيح والمؤثر في المساهمة الفاعلة بتطوير وارتقاء مجتمعاتها ومناطقها.
الأنسب والأقدر..
إذاً نحن الآن أمام مرحلة جديدة يراهن فيها على وصول الأنسب والأقدر، وهذا ما يراه عضو المجلس، إذ يؤكد أن نجاح المجالس المحلية بتعيين لجان أحياء فيها أعضاء لهم مصداقية وموثوقية في الخبرة المجتمعية والاقتصادية، سيؤدي إلى تحقيق ميزة عالية من النجاح، مبيناً أنه حين يكون عضو لجنة الحي من الأشخاص ذوي الخبرة بالبيئة الاجتماعية المحلية، فهو سيكون قادراً على اقتراح المشاريع الاجتماعية – الاقتصادية المطلوب إيجادها لخدمة المجتمع المحلي، كما أنه يستطيع معرفة الأنسب بالنسبة للتخطيط الإقليمي والتنظيمي لضابطة البناء، والتخطيط التنموي الاقتصادي، وستكون خبرته وقدرته أوسع وأقوى في مجال رأب الصدع في أية خلافات ونزاعات محلية بين أفراد المجتمع، بمعنى آخر سيكون قادراً على أن يكون مصلحاً اجتماعياً واقتصادياً بين المتنازعين (أي شيخ صلح) حائزاً ثقة الأطراف، نتيجة خبرته ومصداقيته الموثوقة، كما أن وجوده في أضابير المحاكم وبصفة شاهد – مثلاً – يعطي ثقلاً نوعياً ومصداقية كبرى لدى هيئة المحاكم نظراً لما يمثله من معرفة وثقة.
سلبية جداً..
ومن خلال استعراضنا لتجارب الإدارة المحلية الماضية في سورية، يؤكد حلاق أنها كانت تجارب سلبية جداً، وفي الأغلبية الساحقة من لجان الأحياء، فعلى سبيل المثال، عمليات التحديد والتحرير للأراضي والبيوت والمنشآت، أشارت إلى الدور السلبي الذي لعبه المخاتير في هذا المجال، ما جعل المختار طرفاً في كثير من المحاضر التي أدت إلى ترحيل عشرات الآلاف من محاضر التحديد والتحرير بطريقة نزاعات وخلافات إلى المحاكم العقارية والاستئافية، في مشوار طويل يتجاوز عشرات السنوات في كثير من الأحيان، بما يحويه هذا المشوار من تكاليف مادية ومعنوية جسيمة، وزيادة حدة الخلافات بين أفراد المجتمع، وبالتالي الخلافات الاقتصادية..!
باهظة جداً..
وبالنسبة للتكاليف الاقتصادية الاجتماعية على الوطن كله، وعلى المجتمع المحلي من جراء الاستهتار واللامبالاة بموضوع تعيين أعضاء لجان الأحياء ومنهم المخاتير – فيؤكد حلاق أنها تكاليف باهظة جداً ضمن الوعاء الاقتصادي الوطني الشامل..! لذا ونتيجة لأهميتها يجب أن تكون لجان الأحياء موضوع اهتمام لدى كافة أفراد المجتمع، نظراً لصلاحياتها واختصاصاتها القادرة على إنجازات كبرى، تتجاوز في كثير من الأحيان نسبة 60% من إنجازات المجلس المحلي ذاته، الذي تتبع له.
لكن بوجودها..!
فمثلاً، إن ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي خلال المناسبات الاجتماعية والأعياد هي ظاهرة خطرة جداً على المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وصحياً، وهذه الظاهرة مازالت تتزايد بقوة، لكن بوجود لجان أحياء وازنة فإنها تستطيع في حدها الأدنى إنهاء هذه الظاهرة، أو تقليصها بشكل كبير، وتجعل من يطلق الرصاص العشوائي موضع نبذ اجتماعي وملاحقة قانونية برغبة من المجتمع الذي تمثله لجنة حي تتمتع بمواصفات الخبرة والأخلاق. أما في المواضيع الكبرى التي ترى المجتمعات المحلية عدم التعامل معها وفقاً لقوانين جامدة ومتعبة تطبيقاً، فإنها تجد السبل للحل من خلال وضع يد لجان الأحياء على هذه الملفات وترجمتها إلى حلول اجتماعية تتوافق انسجاماً مع كل من القانون والأعراف الاجتماعية، أي تعطي للحلول المقترحة صلابة مميزة، كما أن لجان الأحياء والمخاتير (الذين لديهم الخبرة والمصداقية الموثوقة) هم أكثر قدرة على تحديد الأماكن الجغرافية الأمثل لإقامة مشاريع تنموية اجتماعية ضمن جغرافية المجتمع المحلي.
باختصار شديد
وباختصار شديد ولافت، يخلص حلاق للقول: إن مضبطة مختار ولجنة الحي، لقضية قضائية أو اقتصادية – اجتماعية، لها قدرة كبيرة على النفاذ بشكل موضوعي ومؤثر يؤدي لحسم الموضوع مهما كان كبيراً وهاماً، كما أن شهادة لجنة الحي- مثلاً- لدى محكمة عقارية أو استئنافية مدنية في موضوع عقاري ما، قادرة على جعل المحكمة تأخذ منحاً آخر نتيجة هذه الشهادة، لا بل أكثر من ذلك، إن مضبطة تكتبها لجنة الحي والمختار، موجهة لمحكمة من المحاكم، سيكون لها أثر كبير من خلال تضمينها في حيثيات القرار الصادر.
أما بعد..
ما تقدم أعلاه وغيره، يجعلنا نتوقف عند الأهمية الاقتصادية – الاجتماعية لهذه اللجان، التي لم تأخذ دورها الحقيقي كما يجب، بل إن تغييبها عن لعب دور كبير -المناط أصلاً بها- ساهم في تراجع العمل المحلي واستشراء الفساد فيه، وهنا السؤال الأكبر والخطير هو: لماذا لا يكون الكل على مستوى تحديات المرحلة، أي أن يعرف كل منا دوره ومسؤوليته في الوصول لصياغة عقد اجتماعي اقتصادي وطني بدايته الأهم تستند إلى أس التنمية الحقيقية وهو الإدارة المحلية..!؟
في ضوء ما تقدم يرى حلاق ومن خلال عمله بالشأن العام والمحلي طيلة أكثر من 30 عاماً، أن تحلي أشخاص لجان الأحياء بالخبرة والمصداقية والموثوقية والعلاقات الجيدة داخل المجتمع المحلي، هي المدخل لتكوين لجان أحياء تشكل رافداً قوياً للعمل في الشأن العام والمحلي بمفهومه الواسع من خلال القوانين الناظمة لعمل المجتمع المحلي وخصوصاً الإدارة المحلية.
المصدر: البعث