أول وثيقة وطنية ترصد واقع البحث العلمي منذ بداية الأزمة 12.89 مليون ليرة فقط العوائد المالية الناتجة عن استثمار المشاريع العلمية البحثية خلال العامين 2014 و2015
.
رغم أن التقرير الوطني للبحث العلمي –الصادر مؤخراً- يرصد واقع البحث العلمي بين عامي 2014 و2015، أي إنه قديم نسبياً، إلا أنه أول تقرير وطني إحصائي تصدره الهيئة العليا للبحث العلمي في سورية بهذا الخصوص منذ بداية الأزمة، كما أنه الوثيقة الوحيدة الصادرة في سورية التي تضم بيانات ومعلومات من الجهات العلمية البحثية كافة، وتساعد في اتخاذ القرارات المبنية على حقائق لتطوير الواقع الحالي للبحث العلمي والتطوير التقاني في سورية، وتعطي نظرة عامة عن البرامج والمشاريع الوطنية للبحث العلمي والتطوير التقاني وأثرها الاقتصادي على القطاعات الحكومية المشمولة في السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار، كما يعد هذا التقرير أحد مصادر التحقق من الوصول إلى المؤشرات المعتمدة في هذه السياسة.
تحليل وتوصيف
مدير عام الهيئة العليا للبحث العلمي الدكتور حسين صالح بين أنه جرى في هذا التقرير توصيف وتحليل واقع البحث العلمي والتطوير التقاني في سورية، إضافة إلى تقديم مقترحات علمية وعامة لتحسينه وتطويره، إلى جانب إفراد محاور خاصة لكل من الموارد البشرية في الجهات العلمية البحثية، وخطط البحث العلمي الحالية والمستقبلية، ومخرجات البحث العلمي، والإنفاق المالي على المشاريع العلمية البحثية، وأثر الأزمة على البحث العلمي والتطوير التقاني، مشيراً إلى أنه تم الحرص على تحسين بنيته ومحتواه بالاستفادة من التقريرين السابقين اللذين أعدتهما الهيئة العليا “التقرير الأول عن عام 2007، والثاني عن عامي 2008 و2009”، ولم يدّعِ صالح كمال ومثالية التقرير، لكنه عدّه خطوة انطلاقة جديدة نحو تقارير قادمة أكثر جودة.
مساهمة
رصد التقرير مدى مساهمة القطاعين العام والخاص في تنفيذ الخطط العلمية البحثية، وخلص إلى نتيجة مفادها وجود فجوة واضحة بين القطاع الخاص والجهات العلمية البحثية، إذ أن نسبة المساهمة الملموسة للقطاع الخاص في تنفيذ الخطط العلمية البحثية لم تتجاوز بأفضل أحوالها 15%، في حين وصلت نسبة المساهمة الملموسة للقطاع العام إلى 50%، مع الإشارة إلى عدم رصد أية مساهمة ملموسة للقطاع الخاص في تنفيذ الخطط العلمية البحثية. وأوضح التقرير غياب البرامج البحثية في القطاعات ذات الأولوية في التقرير الوطني لعامي 2008 و2009 والتي يمكن أن تكون ذات ميزة تنافسية، مثل الصناعات النسيجية والغذائية والدوائية، مقابل الاهتمام في قطاعات أخرى كالمعلومات والاتصالات والبيئة والصناعات الإنشائية والنفط، بينما لا يزال عدد المشاريع العلمية البحثية والبرامج في مجالات المياه والطاقات المتجددة وبناء القدرات البشرية متواضعاً نسبياً، بالنظر إلى أن هذه القطاعات تعد وفقاً لما حددته الحكومة من القطاعات ذات الأولوية المطلقة.
بينما يلاحظ في عامي 2014 و2015 أن معظم المشاريع البحثية المنفذة تركزت في العلوم التطبيقية بنسبة 69.7% من العدد الإجمالي لها، أما بالنسبة لتوزع الخطط العلمية البحثية على القطاعات التنموية فيلاحظ استحواذ الزراعة والصناعات الزراعية على الجزء الأكبر من المشاريع البحثية المنفذة بنسبة 32%؛ مما يعكس توجهات الحكومة بتنمية وتطوير قطاع الزراعة.
نسبة قليلة
بالمقابل وجِدَ أن قطاع النفط والغاز والثروة المعدنية قد حصل على نسبة أقل من تنفيذ المشاريع البحثية المدرجة بنسبة 0.4%، وهذا –بحسب التقرير- طبيعي لأن هذا القطاع تعرض للضرر خلال الأزمة، وهو بحاجة لفترة زمنية ليستعيد عافيته. وأكد التقرير وجوب تركيز الجهود خلال مرحلة إعادة الإعمار على الطاقات المتجددة وبناء القدرات البشرية حيث كانت نسبة كل منهما 0.5% و1.3% على التوالي من العدد الإجمالي للمشاريع العلمية البحثية المنفذة، وهي نسب قليلة جداً لا تتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة.
مدلول وإشارة
ورصد التقرير مصادر تمويل البحث العلمي كونه يعطي مدلولاً وإشارةً لدرجة إيلاء البحث العلمي أهمية خاصة، للاعتراف به كوظيفة فعالة لابد من الاعتماد عليها في تطوير الواقع، وقد لوحظ أن النسبة الأكبر من هذه المصادر تعتمد على التمويل الحكومي الذي لا يهدف للربحية بطبيعته، الأمر الذي انعكس على العوائد المالية شبه المعدومة لمخرجات البحث العلمي، وبين التقرير أن التمويل تركز بمعظمه على التمويل الحكومي، وأن هناك ضعفاً من جهة التمويل الخاص “المحلي أو الخارجي” وذلك على الرغم من أهمية وظيفة البحث العلمي والتي تتطلب تضافر الجهود كافة كتمويل ذاتي أو حكومي أو خاص، ليتم الاستفادة منها واستثمارها بالشكل الأمثل.
وبربط الإنفاق المالي على البحث العلمي مع اعتمادات الموازنة العامة للسنة المالية 2014 والسنة المالية 2015 يتبين أن نسبة ما تم رصده للبحث العلمي عام 2014 يشكل 0.14% من إجمالي الموازنة العامة، و0.10% من موازنة 2015، في حين بلغت النسبة 0.31 من إجمالي الموازنة العامة لعام 2009.
متوفر ولكن
وأكد التقرير أن الاعتماد اللازم للبحث العلمي متوفر ولكن نسبة الإنفاق منخفضة في كلا العامين، ويتطلب هذا المؤشر الوقوف عنده لمعرفة سبب الفجوة بين المخطط والمنفذ، وأضاف أنه وبمقارنة ما تم إنفاقه على البحث العلمي مع الناتج المحلي الإجمال يتبين أن النسبة كانت متساوية في عامي 2014 و2015 حيث بلغت 0.02% تقريباً، في حين كانت في مصر 0.68%، وفي العراق 0.04%، وفي تركيا 1.01%، منوهاً إلى أن العوائد المالية الناتجة عن استثمار المشاريع العلمية البحثية بلغت 12.89 مليون ليرة سورية فقط خلال العامين 2014 و2015.
عوائق
وعزا التقرير قلة هذا العائد إلى اقتصار هذا العائد على البيانات الواردة من الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية لعامي 2014 و2015 والمركز الوطني لبحوث الطاقة، إضافة إلى أن معظم مخرجات البحث العلمي لا يتم استثمارها، إلى جانب غياب التوافق بين مخرجات الجهات العلمية البحثية واحتياجات الطاقات الإنتاجية والخدمية، الأمر الذي يؤدي درواً مهماً في عدم ترجمة هذه المخرجات لفرص استثمارية، كما أن من العوائق أيضاً تقديم المخرجات والخدمات العلمية البحثية بشكل شبه مجاني للقطاعين العام والخاص، وصعوبة قياس العائد المالي لسنة واحدة كون البحث العلمي قد يحتاج لسنوات طويلة حتى يظهر عائده المادي.
تعزيز التنافسية
وفي الوقت الذي أشار فيه التقرير الوطني الثاني عن البحث العلمي لعامي 2008 و2009، إلى وجود توجه واضح في أهداف الخطط العلمية البحثية نحو تحقيق حل للمشكلات الآنية، إضافة إلى نقل وتوطين التقانة على حساب تحقيق مردود اقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية، نجد أن واقع خطط البحث العلمي في عامي 2014 و2015 قد بدأ بالتوجه نحو تحقيق مردود اقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية ومحاولة تنفيذ السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار، إضافة إلى محاولة إيجاد حلول للمشكلات الناجمة عن الأزمة والتي لها علاقة بإعادة الإعمار.
مبادرات فردية
وفيما يتعلق بالأسس والمعايير التي كانت متبعة في بناء خطط البحث العلمي التي وردت في التقرير الثاني 2008 -2009، يلاحظ أنها تشير إلى ضعف الجانب المؤسساتي في آليات عمل الجهات العلمية البحثية واعتمادها على المبادرات الفردية عند وضع خطط البحث العلمي؛ إذ أشار التقرير إلى أن نسبة هذه المبادرات بلغت 22%، وهذا ما تحاول هذه الجهات تلافيه أو الابتعاد عنه قدر الإمكان كما هو واضح في التقرير الحالي لعامي 2014 و2015، حيث اعتمدت عند وضع خططها على السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار إضافة إلى متطلبات القطاع العام، في حين احتلت نسبة المبادرات الفردية 12% في عام 2014، و13% في عام 2015.
المصدر: البعث