دراسة حديثة تشرِّح معضلات “الشرايين الدقيقة” لاقتصادنا الوطني المشروعات الصغيرة والمتوسطة تنتظر من يخرجها من عنق الزجاجة…والهيئة المعنية تعد بانفراجات قريبة
.
لا يزال واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ينوء تحت ضخامة الإشكاليات المتجذرة في آليات التعاطي معها، فإلى جانب معضلة التمويل التي نعتقد أنها باتت معروفة للقاصي والداني، تطالعنا إحدى الدراسات الرسمية الحديثة بمعضلات لوجستية يتصدرها صعوبة الحصول على التراخيص الإدارية في المشاريع الزراعية والصناعية، وغلاء مستلزمات الإنتاج، وارتفاع أجور اليد العاملة والنقل، إلى جانب صعوبات التسويق لمنتجات هذه المشروعات وعدم التشبيك مع أية جهة رسمية لتفادي هذه الإشكالية، بالإضافة إلى عدم توفر مناطق صناعية في كافة المناطق للمشاريع الصناعية، وتقييد الصناعيين بالمساحات وشروط تصنيف التربة، ويضاف إليها أيضاً إشكالية عدم توفر موارد الطاقة بالسعر المدعوم وصعوبة تأمين المواد الأولية المستوردة لبعض المشاريع الصناعية، وعدم توفر الأيدي العاملة والخبيرة بالأعمال الحرفية والمنتج الصناعي، وظهور صعوبات على صعيد التصدير نتيجة عدم توفر قوانين فعالة في دعم وتسهيل تصدير المنتج المحلي، وغياب مشاركتها في معارض خارجية، لتخلص الدراسة إلى أن مجمل الشروط الموضوعة صعبة المنال وترهق أصحاب المشاريع الصغيرة..!
ترتيب مسؤول
الخبير الاستشاري في المشروعات الصغيرة وائل الحسن، حاول ترتيب الخطوات الأساسية في معالجة هذه الإشكاليات، كأن تتبنى هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مسألة منح التراخيص المؤقتة لهذه المشروعات لضمان انطلاقتها، والعمل على تسهيل إجراءات الترخيص الإداري والصناعي وتخفيف الروتين وإعطاء الأولوية للمشروع، وذلك بحسب نوع المنتج والمادة الأولية المستخدمة وفرص العمل، إضافة إلى حل مشكلة التمويل بإيجاد جهات تمويلية تستهدف شريحة رواد الأعمال الشباب الراغبة بتأسيس مشاريع إنتاجية بالدرجة الأولى، على أن يكون التمويل محفزاً من حيث (سعر الفائدة – التقسيط المريح – فترة السماح)، لافتاً إلى ضرورة تخفيض نسبة المساهمة المطلوبة من قبل رائد العمل بحيث يكون قادراً على تأمينها، وبين الحسن أهمية تجزئة الضمانات المطلوبة للتمويل وتفعيل عمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وربط إنتاج المشاريع الصغيرة والمتوسطة بمؤسسات تسويقية ودعم تأسيس هذه المؤسسات من قبل جميع القطاعات، بالتوازي مع إلزام جميع الجهات المعنية بهذا القطاع بالتعريف الوطني للمشروع الصغير والمشروع المتوسط لجهة الكتلة المالية وعدد فرص العمل المتاحة، وتحديد معايير واضحة للدعم الذي سيتم لأي مشروع وذلك بربط ذلك بنوع المنتـج وحاجـة السـوق له، وعدد فرص العمل، والمواد الأوليـة والمستلزمات التي يستخدمها، والقيمة المضافـة التي يحققـها.
إشكال داخلي
مدير عام هيئة تنمية المشروعات الصغيرة إيهاب اسمندر حاول توضيح بعض الإشكاليات المتعلقة بالهيئة كعدم إصدار نظامها الداخلي حتى الآن، وعدم وجود الملاك العددي، بالإضافة إلى بعض المشكلات المتعلقة بتطوير الجانب التمويلي في الهيئة، إذ إن القانون رقم 2 منع الهيئة من امتلاك أدوات التمويل المباشر، بل يتم الاعتماد على أدوات غير مباشرة، ما منعها بشكل أو بآخر من تفعيل دورها في تنمية واقع المشروعات، معتبراً أن الفترة السابقة للهيئة هي عبارة عن مرحلة تأسيس، إذ كان هناك الكثير من الاستحقاقات سواء على مستوى الإطار التنظيمي للهيئة، أو بما يخص بيئة العمل والمناخ الاستثماري في سورية، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي العام في سورية مازال متأثراً بشكل كبير بظروف الحرب، ولم تستعد عجلة الاقتصاد دورانها الطبيعي، وبالتالي فإن معظم المحافظات والمنشآت لم تخرج من دائرة تأثيرها الكامل، مؤكداً على ضرورة تضافر جميع الجهود في سبيل تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق أعلى جدوى وكفاءة ممكنة في بعديها التنموي والاجتماعي.
علاج ناجع
وفي سياق الحديث عن حاضنات الأعمال باعتبارها الحل الأجدى لمعالجة كافة الإشكاليات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بين اسمندر أن الهيئة لجأت وبموجب القانون القائم حالياً إلى اتباع أسلوب جديد يتضمن إقامة المكان مع التجهيزات اللازمة وتقديمه لصاحب العمل من خلال “حاضنات العمل” والتي بدأت منذ ثلاثة أشهر كحاضنة حلب والتي تتضمن نحو 1000 مشروع، وحاضنة في محافظة دمشق بنحو 400 مشروع فيها، إضافة إلى إحداث حاضنة تدريبية لطلاب هندسة الميكانيك والكهرباء في محافظة اللاذقية والتي تم اختيارها لتوسيع دائرة التغطية لإقامة ساعات تدريبية خلال العام الدراسي، تمكن الطالب بالحصول على خبرة مهنية، إلى جانب شهادته الأكاديمية وحصوله على شهادة خبرة، لافتاً إلى عدم حصول المتدرب على تلك الشهادة إلا بعد إتمامه ساعات التدريب وخضوعه لامتحانات خاصة من قبل اللجنة الفنية.
وأوضح اسمندر أن الحاضنة تقدم المكان وتوفر كافة الاحتياجات اللازمة لجميع المشروعات المسجلة في الهيئة كونها تشكل الضامن الرئيسي في حال حاجة المشروع للتمويل، شريطة أن يكون المشروع وصاحبه مسجلين لدى الهيئة، وخضع لمعايير التقييم الموجودة في استمارات التسجيل، وإلى تقييم اللجنة الفنية التي تدرس الاستمارة المقدمة والجدوى الاقتصادية للمشروع، وبالتالي تحديد احتياجات المشروع وصاحبه من دعم مالي أو فني على أن يبقى المشروع تحت إشراف الهيئة حتى استكمال فترة سداد كافة الأقساط وخروجه من دائرة الاحتياج، نافياً بذلك غياب دور الهيئة عن مسألة التمويل، مؤكداً أنها تساهم في عملية الإقراض لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال مؤسسات التمويل الصغير التي تساهم فيها كالمؤسسة الوطنية وبنك الإبداع، كما أنها عالجت إشكالية ضعف التمويل والمقدر بـ1.5 مليون للقرض الواحد من هذه المؤسسات بسعيها إلى تطبيق اتفاقيات مع المصارف العامة، وهي قيد الصدور قريباً تنص على تحمل الهيئة جزءاً من نسب الفوائد المطبقة على القرض، وحصول صاحب المشروع على مبلغ أكبر بفائدة لا تتجاوز الـ3%، والذي اعتبره اسمندر بمنزلة القرض المجاني لدعم المشاريع التي تقتنع الهيئة بجدواها التنموية والاجتماعية المطلوبة، إلى جانب عملها على توسيع نشاطات أذرعها التمويلية من خلال اتفاقيات التعاون مع الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعي، مبيناً أن تطبيق هذه الآلية سيوجه إلى المشروعات التي يديرها أصحابها وهي أحد المعايير المعتمدة للمنح ومسجلة في الهيئة وحاصل على قبول فني في الهيئة تبين قدرته على ممارسة العمل. وفي ذات السياق بين اسمندر أن الهيئة تنتظر تفعيل مؤسسة ضمان مخاطر القروض لمعرفة المجالات التي ستتعاطى معها وكيفية الاستفادة منها في تطوير واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كونها تُعنى بتقديم خدمات تتقاطع مع خدمات الهيئة.
تسوق مدعوم
تصدت الهيئة –حسب اسمندر- لما يواجه بعض المشروعات من إشكالية الكادر غير المؤهل، بإخضاعه لدورات متخصصة مجانية من جهة، وتقديم خدمات الترويج من خلال منحهم مشاركات في المعارض والبرامج التسويقية بشكل مجاني أيضاً من جهة ثانية، كاشفاً عن التحضير لإطلاق مهرجانات تسوق في كافة المحافظات السورية لمنتجات هذه المشاريع حصراً، إضافة إلى إقامة دورات تدريبية لكافة المهن الموجودة في الاتحادات الحرفية تستهدف جيل الشباب من عمر 18 إلى 40 سنة من جهة ثالثة، مشيراً إلى أنه سيتم إطلاق مشروع خاص بعمليات التأهيل والتدريب المختلفة في محافظتي دمشق وريفها قريباً.
وأخيراً نفى اسمندر وجود إشكالية تسويق منتجات هذه المشروعات بتأكيده على أن معظم المشاريع لا تعاني من هذه الإشكالية كونها تستهدف سوقاً قريباً من منشآتهم وفقاً لدراسات الهيئة، إلا أنه أكد على تنسيق الهيئة مع بعض الجهات كجمعية التسويق السورية لإقامة دورات تدريبية في مجال التسويق لنقل خبراتها لأصحاب المشاريع المسجلة في الهيئة بغية توسيع نشاطات المشروع ومعالجة الإشكالية إن وجدت.
المصدر: البعث