خلافاً للتوقعات زيادة الحوالات لم تخفّض الدولار أمام الليرة والسعر تجاوز عتبة 590 … تيناوي...المواطن يتجه إلى السوق السوداء بسبب ضعف السياسة المصرفية


.

 

خلافاً للتوقعات، لم تشهد الليرة السورية تحسناً أمام العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي، نتيجة زيادة ورود الحوالات الخارجية خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان والتحضير لعيد الفطر، إذ حافظ سعر الصرف على مستوياته المرتفعة بين 575 و585 ليرة سورية خلال تلك الفترة، وارتفع فوق مستوى 590 حتى تاريخه.
نقيب المهن المالية والمحاسبية زهير تيناوي بيّن لـ«الوطن» أنه بالفعل زادت الحوالات الخارجية الواردة إلى سورية من الإخوة المغتربين بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الأخير من رمضان، إلا أن هذه الزيادة لم يكن لها أثر إيجابي في دعم سعر الصرف، نظراً لأن الطلب على القطع الأجنبي وخاصة الدولار، أعلى من عرضه في السوق الموازية «السوداء»، لذا فإن الطلب هو المؤثر الأكبر في سعر الصرف، وإن اقتراب العرض والطلب من التوازن ينعكس بحالة استقرار في سعر الصرف.
تيناوي نوّه من ناحية ثانية بأن هنالك حالة التقليد التي تغلب على واقع توظيف المدخرات المنزلية التي تتراوح بين 500 ألف ليرة سورية وقد تصل (3) ملايين ليرة سورية، حيث تتجه نحو سوق الصرف وتحويل تلك المدخرات إلى «عملات صعبة»، في ظل عدم فعالية السياسة المصرفية في جذب تلك المدخرات، وهذا يسهم في زيادة الطلب «المنزلي» على الدولار، وحتى جزء من الحوالات التي يتم تسليمها بالليرة السورية بالطرق غير النظامية، فإن جزءاً منها يتم تحويله إلى دولار عندما تكون الحوالات بمبالغ تزيد على حاجة الاستهلاك.
عامل آخر هو المضاربات التي تقودها مكاتب الصرافة غير المرخصة، والتي تزيد أرباحها على التداول السريع للقطع، والتي تعمل على جذب مدخرات المواطنين بطريقة أو بأخرى للتداول في سوق الصرافة، وخاصة في ظل عدم وجود قنوات توظيف لتلك السيولة الموجودة لدى المواطنين والتي هي رغم بساطتها «استثمارات فردية» إلا أنها تشكل كتلة إجمالية لا يستهان بتأثيرها في سوق القطع، فلا هناك فوائد وخدمات مصرفية حالية قادرة على استقطاب تلك الأموال ولا قنوات استثمارية أخرى، لذا لا يجد المواطن أمامه سوى خيارات الاتجاه نحو جامعي الأموال أو الذهب وسوق الصرف، ويبدو أن سوق الصرف أصبحت أكثر جذباً وإغراء لتلك المدخرات، وخاصة في ظل ترقب التطورات السياسية وواقع الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية ظلماً.
كما شدّد تيناوي على الأثر الكبير للطلب التجاري في القطع الأجنبي، وخاصة لتمويل عمليات الاستيراد بجميع أشكالها، وخاصة للمواد الرئيسة التي يحتاجها البلد بصورة مستمرة، إذ يسهم هذا الطلب برفع سعر الصرف.
إلى ذلك يلاحظ أن مكونات الطلب على الدولار للغايات التجارية والمنزلية بقصد الادخار وتحقيق الأرباح والمضاربات والتحوط من الخطر، أشدّ تأثيراً في سعر الصرف حالياً من مكونات العرض التي تقتصر على الحوالات وعمليات البيع بين الحين والآخر عند تغير اتجاه سعر الصرف لسبب أو لآخر.

مدخرات وقروض
فيما يخص المدخرات وما تتضمنه القوائم المالية للمصارف الخاصة خلال عام 2018 إذ زادت إيداعات الزبائن بنسبة 24 بالمئة في 13 مصرفاً خاصاً، الأمر الذي يعدّ دليلاً على زيادة الودائع أي المدخرات بالنسبة للسوريين، وأوضح تيناوي أن هذه الزيادة في الإيداعات تعود في الأساس لإيداعات الشركات والمؤسسات المالية والصناعية بشكل رئيس وليس زيادة الإيداعات الفردية وحدها، إذ إن الزيادة في ودائع شركات التأمين وحدها قادرة على رفع إجمالي ودائع المصارف بتلك النسبة تقريباً، أما المقصود في جذب المدخرات من القطاع المصرفي فهو مدخرات الأفراد وليس الشركات فقط، لأنها تلقى طريقاً سهلاً نحو المضاربة بالدولار بوساطة الصيارفة غير النظاميين الذين يسيطرون على أغلب التعاملات في سوق الصرف، وهذا أمر يحتاج إلى سياسة مصرفية متوازنة ومتكاملة، يساعدها في ذلك اتساع المساحات الآمنة وعودة النشاط الاقتصادي والتجاري، إذ على المسؤولين عن السياسة المصرفية وضع ضوابط وآليات عمل تسهم في جذب المدخرات من المواطنين وليس الشركات فقط، وفتح باب التوظيف الفعلي لها، وفق ضمانات وأسس عملية، وليس نظرية، وهذا أمر ممكن، فهناك شرائح واسعة من المواطنين بحاجة إلى قروض لأغراض مختلفة، في المقابل هناك فائض سيولة يحتاج إلى توظيف وسحب من سوق الصرف باتجاه المصارف، للحفاظ على استقرار سعر الصرف قدر الإمكان.
ولفت إلى أنه هناك الكثير من الأحاديث والإعلانات عن عودة الإقراض والتوسع فيه، ولكن عملياً هذا الأمر غير مطبق بشكل كبير، فما زال الحصول على القروض أمراً غير متاح بشكل كامل حالياً، ويحتاج إلى تفعيل.
إلى جانب دراسة الحكومة لكل القرارات التي تتخذها ذات الأثر المباشر أو غير المباشر في سعر الصرف، مثل قرارات السماح للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية على سبيل المثال حيث تخلق توازناً بين ضرورة تأمين المواد الأساسية والتأثير في سعر الصرف، لأن أي أثر سلبي في سعر الصرف سوف ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات ومن ثم ضعــف القدرة الشرائية للمواطن وزيادة الفقر.
خلل هيكلي
خبير في الاقتصاد النقدي بين لـ«الوطن» أنه لا يمكن الاحتكام فقط لمسألة العرض والطلب والمضاربات في القطع الأجنبي أثناء تحليل الاتجاه العام لسعر الصرف الذي يوصف بأنه طويل الأجل وليس موسمياً وهو مرتبط بالدورة الاقتصادية، إذ إن سعر الصرف يرتفع منذ ثماني سنوات بشكل مستمر، وبزخم متباين، لذا من الطبيعي القول بأن سعر الصرف يعكس الخلل البنيوي في الاقتصاد، والخلل النقدي، أما التقلبات الموسمية والآنية فهي مرتبطة بقوى العرض والطلب والمضاربات إلى جانب الخلل البنيوي.
ففي الحديث عن الخلل النقدي، هناك كتلة ليس هينة من الأموال تقدر بنحو 4000 مليار ليرة تدور بين أيدي المواطنين خارج الأقنية المصرفية، وهذا يضغط على سعر الصرف، إضافة إلى وجود كتلة نقدية لا يستهان بها وقد تصل 3000 مليار ليرة عبارة عن ودائع مصرفية غير موظفة، تسهم في خنق المصارف، ولا تسهم في دعم الإنتاج والاستثمار كما هو مطلوب منها، إضافة إلى الخلل الأبرز المتمثل بتمويل الموازنات العامة للدولة بالعجز، وذلك عبر الإصدار النقدي (طباعة النقود) وهذا له آثار سلبية كبيرة في المشاكل الهيكلية في الاقتصاد.
اقتصادياً، هناك عجز مستمر في الميزان التجاري، إضافة إلى وجود كبير للمهربات التي تزيد كتلة المستوردات النظامية وغير النظامية أمام أرقام بسيطة للصادرات، تضغط على سعر الصرف، إضافة إلى خلل في ميزان المدفوعات، وخاصة في الحساب الجاري، حيث من المفترض أن تسهم الحوالات الخارجية في الأقنية النظامية والمساعدات بتقليص العجزي في هذا الحساب، إلا أن الفارق بين سعر الصرف الرسمي والموازي جعل الحوالات تسلك الطرق غير النظامية، وبالتالي حرمت الحساب الجاري من كتلة نقدية لا يستهان بها لتعديل العجز.
من جهة أخرى هناك اتساع كبير للاقتصاد غير المنظم (اقتصاد الظل) والذي قدّر بنحو 78 بالمئة من حجم الاقتصاد، وهذا وحده خلل هيكلي لا يستهان فيه، ويؤثر سلباً في سعر الصرف، إضافة إلى تراجع الإنتاج والإنتاجية ومعدلات التضخم المرتفعة، وعدم فعالية السياسة النقدية.
الخبير بين أن ضبط سعر الصرف يبدأ من النظر إلى الموضوع بشكل شمولي، يتضمن جميع النقاط السابقة، إلى جانب العرض والطلب والمضاربات، ومن ثم اتخاذ قرار جريء بإيقاف الإصدار النقدي، والاعتماد على السوق المفتوحة عبر تفعيل سندات الدين العام من سندات وأذونات الخزينة طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل، إلى جاب شهادات الإيداع، بأسعار فائدة مغرية، تساهم في سحب الكتلة النقدية الفائضة والخارجة عن النظام المصرفي، وهذا وحده كفيل بزيادة الطلب على الليرة وتحسين قيمتها، ومن ثم إلزام وزارة المالية بتمويل الموازنة عبر سندات الدين العام، وإعادة ضخها في الاقتصاد في مشاريع استثمارية مهمة تسهم في تحسين الإنتاج والإنتاجية، وتنظيم ذلك عبر تشكيل لجنة للسوق المفتوحة في المصرف المركزي بمشاركة وزارة المالية.
بمعنى آخر بدء حلّ الخلل البنيوي الاقتصادي من معالجة الخلل النقدي، وهكذا يبدأ سعر الصرف بالتحسن والاستقرار عند مستويات توازنية، وتبدأ معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد تدريجياً.

 

المصدر: الوطن