حديث الاربعاء الاقتصادي
اقتصاد القيّم
حديث الأربعاء الاقتصادي رقم (154)
(اقتصاد القيّم )
هل هناك عوامل غير اقتصادية وغير ملموسة تؤثر على الأداء الاقتصادي العام وهل هناك دول وشركات حققت إنجازات اقتصادية وريعية كبيرة من خلال تعظيم الجانب الأخلاقي والقيمي والالتزام بأخلاقيات العمل والانتماء والولاء الوظيفي إلى ما هنالك تنم عن الأداء الصادق والمخلص للعمل والتفاني في المبادرة والالغاء الكامل للفساد والرشوى والمحسوبيات والهدر.
نعم هناك جانب غير ظاهر وملموس يجعل من العائد على الاستثمار والربحية والأداء الوظيفي والعملي أكبر وأعظم إذ تم الاعتماد على موارد بشرية كفوءة تحمل جوهر اخلاقيات العمل وتسعى جهدها لانجاح الأعمال دون أي تحايل أو فساد أو هدر .
إنها المعادلة الصعبة ولكنها الممكنة في تحقيق إنجازات وقيم مضافة أكبر بنفس الموارد المالية والمادية ولكن بإخلاص كامل وتفاني من قبل العاملين .
وعلى نفس السياق ماذا لو كانت جميع الشركات الخاصة تقدس اخلاقيات العمل وقيم الإدارة النبيلة بإحترام الموظفين الجيدين والاحتفاظ بهم ومنحهم أقصى ما يتمنوه وتحولهم لمواطنين لديها إنها معادلة فريدة وتخدم جميع الأطراف الفرد وصاحب العمل والاقتصاد الوطني.
كأحد العلوم التي تساهم في بناء الحضارات وتنظيم المجتمعات، عرف الفكر الإداري عشرات النظريات منها: النظرية البيروقراطية، ونظرية الإدارة العلمية، ونظرية الإدارة بالأهداف، ونظرية الإدارة بالمواقف، ونظرية الإدارة بالنظم، وكذلك نظرية الإدارة بالقيم أو المبادئ، وما شابه ذلك من نظريات. إلا أن علماء الإدارة، والمشتغلين في مجال التفكير والكتابة، حول إعادة تشكيل القيادة والإدارة، وحول بناء المؤسسات وإعادة " هندستها "، وحول الارتقاء بمستوى الأداء والتحسين المستمر للفاعلية والكفاءة وصولاً إلى الجودة الشاملة، بدؤوا يدركون ضرورة العودة إلى الأصول، والعودة إلى المبادئ والعودة إلى القيم .
وهناك من ألّف كتباً حول " القيم والمبادئ " ودورها في مجال الإدارة الحديثة، من أبرزهم العالم " ستيفن كوفي " في كتابه الشهير " القيادة بالمبادئ، أو القيادة المرتكزة على المبادئ " "Centered - Prineiple Leaderhip " حيث يرى " كوفي " أن عملية تفعيل التزام الإدارة والقيادة بالقيم والمبادئ، في قيادتها وإدارتها للآخرين مرّت بخمس مراحل آخرها مرحلة الإدارة بالمبادئ أو القيم.
وتقوم " الإدارة بالقيم " على وجود ميثاق يحترم حقوق الموظفين، ويعتبر هذه الحقوق جزءاً من كينونة المؤسسة وليست مجرد حبر على ورق، ويتضمن هذا الميثاق ما يلي: حق الموظفين أن يقرروا بأنفسهم أفضل الطرق لإنجاز أهدافهم، ويعاملون على أنهم روح المؤسسة وقلبها النابض، لا مجرد قطع غيار قابلة للاستبدال، وأن تعتبرهم أفراداً متميزين، وأن يؤدوا أعمالاً تشعرهم بالتحدي لتوسيع نطاق قدراتهم، وأن يعرفوا أن أصحاب العمل والمديرين يثقون فيهم وبقدراتهم، وأن يعاملوا معاملة عادلة، وأن يحصلوا على تقدير الإدارة للجهود الإضافية التي يبذلونها، وأن يتمتعوا بحرية التعبير عن أفكارهم وآرائهم وأمانيهم، وأن يحصلوا على معلومات دقيقة عن كل أنشطة المؤسسة
وأن أخلاقيـات المؤسسة تحدد مواصفاتها وصحتها ونجاحها، بالقيم والمعتقدات، وهي ضرورية للنجاح، فالقيم تقود المؤسسة للنجاح أو تقودها للفشل، ولهذا يقول أحد رواد الإدارة : "إذا كان الآباء مسؤولين عن قيم أبنائهم، فإن المديرين مسؤولون عن قيم مرؤوسيهم، فالقيم تصون أو تهدد، تحمي أو تبدد".
فهل نعود للقيم في اقتصادنا ومؤسساتنا لتحقيق أعلى المراتب.
دمشق في 23/2/2022.
كتبه: د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية